مسيرات عراقية حمل فيها المتظاهرون الحذاء شعاراً لهم..
أطفال يلعبون بالأحذية في أزقة بغداد..
شقيق منتظر الزيدي يستعرض بفخر مجموعة من أحذية شقيقه الصحافي الموقوف..
إنها بعض المشاهد التي سجلتها العدسات لأحوالنا والتي أعقبت «النصر المبين» الذي انتشى له ملايين العرب بعد فعلة الصحافي العراقي منتظر الزيدي حين أقدم خلال مؤتمر صحافي على قذف الرئيس الأميركي جورج بوش بحذائه صارخاً به يا كلب!
لندع بوش جانباً، فالنقاش المحتدم في صحافتنا لا يدور في جوهره حول الرئيس الأميركي والموقف منه ولا حاجة لاستعادة حقيقة بات يسلم بها الجميع وهي أن سياسة إدارة بوش كارثية وأودت بنا إلى ما أودت إليه..
القضية هي نحن وذلك الحذاء..
حملات دفاع من قبل محامي الرئيس السابق صدام حسين ومجموعات متضامنة على «الفايس بوك» وكثير من الكلام الملحمي عبر وسائل الإعلام في وصف «بطولات» الزيدي!..
لم يتورع بعض ممن يضعون أنفسهم في خانة كبار الكتاب والمثقفين عن التبشير بأن التحرير آت وأن العرب سيتسلحون بالأحذية ليحرروا أرضهم ويواجهوا المستعمر والمحتل. بعض مشايخ «الممانعة» اعتبروا ما أقدم عليه الزيدي أنه بمثابة فعل «إيمان»!
الهلوسة المخيفة في صحافتنا وإعلامنا والأحاديث التي تلهج بها الألسنة همساً وعلانية والتي أعقبت تلك الحادثة السخيفة والمهينة كشفت الدرك الذي انزلقنا إليه.
بات الحذاء وليس أي شيء آخرهو المشروع العربي التنويري الجديد. فبعد الأصولية والقتل والذبح لنحتفي اليوم بالحذاء ولنبشر بمستقبل زاخر بالأحذية.
ليس صحيحاً أن إقدام بعض العراقيين على ضرب تمثال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بعد سقوطه عام 2003 بالنعال مشابه لما أقدم عليه الزيدي. ردّة الفعل تلك أتت في مكان وظرف مغايرين تماماً لما حدث في المؤتمر الصحافي.
فالزيدي كان يخطط لفعلته على ما قال أهله وأصدقاؤه منذ أشهر وهو لم يفعلها خلال زيارات بوش السابقة للعراق.
لقد وضعنا منتظر الزيدي كصحافيين في وضع يجبر الآخرين على معاملتنا بصفتنا أناسا من المحتمل أن نرتكب أمرا مماثلا لما أقدم عليه.
يحقّ لنا أن نكره بوش ونرفض سياسته ونغضب للأذى العارم الذي أصابنا لكن نعم لا يحق لمنتظر الزيدي أن يقذفه بالحذاء..
لقد سحب منتظر من يدنا هو والمنتشون بفعلته سلاح الإقناع والرأي والحجة ووضع بأيدينا حذاء..
إنه أسوأ ما يمكن أن يلحق بنا. أن نلغي عقولنا ونضع أحذية بدلا منها..
هل يفترض السلوك الذي انتهجه هذا الصحافي العراقي أن يصبح نمطاً؟؟
هل أفترض في نفسي مثلا أنا التي أعتبر أن الدور السوري في لبنان وعلى مدى عقود كان دوراً مشابهاً، بل وأسوأ من الدور الأميركي في العراق أن أتضامن مع إقدام صحافي مثلا على ما أقدم عليه الزيدي لو فعل الأمر نفسه مع الرئيس السوري؟!
حتماً لا...